-
منذ اللحظة التي يكف فيها الأفراد عن كونهم مرشحين ويصبحون موظفين رسميين، أي مجموع القيم التي يقدمها الموظفون لشركتهم بعد التفاعل، تُسمى هذه العملية تجربة الموظف. خلال حياتهم المهنية، تتغير أولويات الموظفين ومخاوفهم باستمرار وتتفاوت من شخص لآخر. لذلك، وبشكل مشابه لتجربة العملاء، يجب التعامل مع تجربة الموظف، التي تساهم مباشرة في نجاح الشركة، على مراحل.
وعلى الرغم من أنه مفهوم حديث نسبيًا، فقد قطعت الشركات شوطًا كبيرًا في مجال تجربة الموظف. واستنادًا إلى الخبرات المكتسبة، تبيّن اليوم وجود أربع مراحل مختلفة لتجربة الموظف. وهذه المراحل هي: المشاركة الأولية، التطوير الأولي، التطوير والاحتفاظ المستمران، والانفصال.
المشاركة الأولى؛ تشمل الوظيفة الأشهر الثلاثة الأولى بعد الانضمام. يشعر الموظفون في هذه الفترة برغبة في أخذ مكان في الشركة والمساهمة فيها وتأسيس علاقات مع زملائهم. وعند النظر إلى معدل ترك العمل المبكر (30%) لمن يبدأون وظيفة جديدة، نرى أن هذه المرحلة الأولى، التي تشكل الأساس لتجربة الموظف، بالغة الأهمية.
في هذه المرحلة، حيث يتكوّن لدى الموظف انطباع عن الشركة ويقيّم ما إذا كان القرار بالانضمام صحيحًا، يمكن القول إن مستوى قلقه يعادل حماسه لبدء وظيفة جديدة. ما إذا كان يستطيع تلبية توقعات المديرين أو تقديم إسهام فعّال للشركة أو التفاهم مع أعضاء الفريق وغير ذلك من التحديات يزيد من مستويات القلق لدى الموظفين. ولهذا السبب، تقع على عاتق الشركات مسؤولية تقليل عوامل عدم اليقين وتخفيف قلق الموظفين وجعلهم يشعرون بالرضا. يمكن تحقيق ذلك من خلال إيصال قيم الشركة وقواعدها سريعًا إلى الموظف وتحديد دوره بوضوح.
من اليوم الأول، ينبغي وضع ترتيبات تيسر على الموظف أداء دوره، وذلك عبر تعاون بين الأقسام. فعلى سبيل المثال، ينبغي لقسم تكنولوجيا المعلومات دعم إدارة الموارد البشرية وتوفير الحواسيب والبرامج اللازمة لتلبية احتياجات الموظفين. ومن ناحية أخرى، لتعزيز إحساس الانتماء، يجب جمع الموظفين الجدد مع مديريهم في مرحلة مبكرة؛ كما ينبغي العمل كجسر للتكيّف مع الفريق.
التطوير الأولي؛ يشمل الفترة من الشهر الثالث حتى الشهر الرابع والعشرين. خلال هذه المرحلة، يركّز الموظفون على تحسين مهاراتهم ليصبحوا أكثر فاعلية. ويمكن تعريف هذه الفترة أيضًا بأنها الفترة التي تبرز فيها جوانب الإتقان، وهي الوقت المناسب لدعم الموظفين في نقاط النمو والتطوير. ذلك لأن الموظفين يبذلون الجهد اللازم للإتقان مع مراعاة الفرص المستقبلية.
تُعَد مرحلة التطوير الأولي مرحلة تلبية الاحتياجات من خلال الاستثمار في الموظفين، وتقديم التدريبات الضرورية لإعدادهم لتولي مناصب رئيسية في المستقبل، وإدخال تحسينات مناسبة. وتساهم التدريبات التي سيتم تقديمها (على سبيل المثال، تدريبات لتنمية كفاءات القرن الحادي والعشرين) في تجديد ثقة الموظفين بأنفسهم، وخاصة في ظل مخاوفهم حيال المستقبل في بيئة عمل شديدة التغير. إن الاستثمار في الموظفين لا يقتصر فقط على مردود ملموس مثل زيادة الإنتاجية؛ بل يُسهم هذا الدعم أيضًا في رفع ولاء الموظفين والتزامهم. لأن إتاحة فرص التطوير والتدريب تشير إلى أن الشركة تقدّر موظفيها كأفراد، وينشأ عن هذا التقدير التزام طبيعي في مرحلة التطوير الأولي.
تبدأ مرحلة التطوير والاحتفاظ المستمر بعد انتهاء التطوير الأولي، وتستمر حتى مغادرة الموظف للعمل. الموظفون الذين اكتسبوا الخبرة والمهارات والمعرفة اللازمة في دورهم يميلون إلى توضيح مستقبل حياتهم المهنية في هذه المرحلة؛ أي يرغبون في الإطلاع على الفرص المتاحة وتقييمها. عدم توفير الفرص قد يدفع الموظف إلى ترك العمل.
تكمن خصوصية هذه المرحلة مقارنة بمرحلة التطوير الأولي في أن التطوير والتدريب يستمران بشكل متواصل، وبذلك يتركّز التركيز على الاحتفاظ بالموظف. فالتطوير المستمر أمر مفصلي في عملية الاحتفاظ، إذ إن مغادرة موظف حصل على التدريب المقدم في المرحلة الثانية سيكون لها أثر أعمق على الشركة.
أما الموظفون الذين يصلون إلى مرحلة الاحتفاظ مع التطوير المستمر فهم قادة محتملون، ويجب الاستفادة من قدراتهم لتبوّؤ هذه المناصب. وبما أن ليس كل مَن بلغ نفس المستوى يرغب في أن يكون قائدًا، فمن الضروري توفير فرص مناسبة تأخذ رغبات الموظفين في الاعتبار. ومن الأمور التي يجب مراعاتها في هذه المرحلة التي يبلغ فيها الموظفون أقصى مستويات الإنتاجية: التعبير عن إسهامات الموظف وأهميته للشركة، وتقديره، والثناء عليه. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي لمديريهم المشاركة في توجيههم وتدريبهم، لأن اكتساب مهارات أعلى أصبح ضروريًا الآن.
تشمل مرحلة الانفصال، وهي الرابعة والأخيرة، فترة تصل إلى ثلاثة أشهر قبل مغادرة الموظف للعمل. ورغم أن كل المراحل السابقة قد أُديرت بشكل صحيح، فقد يظل هناك موظفون يرغبون في المغادرة لأسباب لا تتعلق بتجربة الموظف. ينبغي إدارة هذه المرحلة بطريقة تضمن أن تسير العملية بسلاسة بالنسبة للموظف، الأمر الذي يحوّله إلى مدافع عن سمعة الشركة على الرغم من خروجه منها.
ومن ناحية أخرى، تُعد مرحلة الانفصال فرصة يمكن أن تستفيد منها إدارة الموارد البشرية في جمع معلومات حول الأسباب الكامنة وراء مغادرة الموظف. ومن خلال تقييم البيانات التي تم جمعها واتخاذ الخطوات المناسبة، يمكن منع خسارة قوى عاملة مؤهلة مستقبلاً. ونظرًا لكل الاستثمارات التي تمت في المراحل الثلاث الأولى، فإن الأضرار التي تلحق بالشركات عند عدم القدرة على منع الانفصال تكون واضحة. لذلك، ينبغي معرفة الأسباب الجوهرية للمغادرة التي توفر تغذية راجعة واضحة فيما يتعلق بتجربة الموظف. وحتى مع وجود شركات تفضّل الاستبيانات أو الاجتماعات المباشرة لهذا الغرض، يجب أيضًا تقييم التغييرات في أساليب العمل خلال هذه الأشهر الثلاثة السابقة للانفصال للحصول على معلومات أكثر دقّة وإفادة.